تَخيَّل معي ما يحدُث الآن في المجتمع: الرجل يعمل عمره كله ليلاً ونهاراً ليجمع الأموال، ربما المرأة أيضاً. ولكن لماذا؟ حتى يضمنا لأولادهما المستقبل الجيد، ويتركا لهم ما يكفيهم. لماذا؟ لأنهما يعلمان أنهما إذا ماتا سيتشرَّد الأولاد. من الذي سيتكفّل بهم؟ سيضيعون. الدنيا كلها ذئاب. لكن، بالله عليكم، لو المجتمع لديه خلق الإيثار، فكل واحد سيعلم، ويطمئن إلى أنه إذا مات الأب أو الأم سيجد مَن يتكفّل بأولاده، بل وسيتشاجرون على مَن يأخذهم، لذلك فإنّ خُلق الإيثار مهم.
يقول الإمام الغزالي في الإحياء: الإيثار على ثلاث منازل: الأُولى، أن تنزل أخاك من نفسك منزلة الخادم، فتُطعمه وتعطيه مما يبقى منك،ألا يحدث أن تتعامل مع أخيك كالخادم بعدما تنتهي أنت وتأخذ ما يكفيك وتعطيه. وهذا إيثار، الثانية: أن تُنزله مُنزلة نفسك، فكما تأخذ تعطيه. والثالثة: أن تُنزله فوق نفسك، فتُفضِّل حاجته على حاجتك.
هذه هي منازل الإيثار الثلات. اختر لنفسك منها.
أعظم الإيثار في هذه الدنيا: أن تؤثر مرضاة الله على مرضاة الناس، وأن تؤثر رضا الله على رضا مَن سِواه، وأن تؤثر رَضا الله على هوى نفسك: "لا يُؤمِن أحدكم حتى يكون هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جئت به". مرضاة الله أولَى.
عندما نعيش لأنفسنا فقط، نعيش حياة قصيرة، نُولَد صغاراً ونموت صغاراً. لكن عندما نعيش من أجل غيرنا نعيش كباراً وحياتنا تمتد بإمتداد البشرية. وهذا كلام حقيقي. إذا عشت لغيرك وليس لنفسك فقط، ستجد سعادتك في بسمة غيرك، وفرحتك في فرحة غيرك، وستجد السعادة الكاملة، عندما تجد مَن يدعو الله لك ويقول: يا رب ارضَ عنه كما أرضاني. لذّة عجيبة. جرّبها وستجدها أعظم من اللذة، التي كنت ستشعر بها إذا حصلت على الفائدة والمنفعة بمفردك.
أختم بكلمة قالها رجل صالح، وهو يموت: "يا بنيتي، لم أعد أفزع من الموت، ولو جاء اللحظة. لقد أخذت من الحياة كثيراً، أقصد أعطيت كثيراً. هل فهمتها؟ أحياناً يا بنيتي تصعب التفرقة بين الأخذ والعطاء، لأنه عند المؤمن لهما مدلول واحد. في كل مرة أعطيت فيها أخذت فيها، بل أخذت أكثر ممّا أعطيت".
منقول عن الاستاذ عمرو خالد