حمل اغلب أنواع الصخور صفات مغناطيسية نتيجة لوجود كميات متفاوتة من المعادن المغناطيسية التي يمكن تقسيمها من الناحية الجيوكيميائية إلى ثلاثة مجموعات رئيسية من المعادن هي:
(1) مجموعة الحديد ـ التيتانيوم ـ الأوكسجين:
(2) مجموعة الحديد ـ الكبريت:
(3) مجموعة أكسيد الحديد المائية:
يمكن استخدام المعادن المغناطيسية كبوصلة لتحديد قيمة واتجاه المجال المغناطيسي الأرضي الذي كان سائداً وقت تكونها، إذا ما افترضنا أن هذه المعادن لم تتعرض إلى ما يمكن أن يؤثر على مغناطيسيتها بأي شكل من الأشكال. وتقسم مغناطيسية الصخور إلى مركبتين هما:
(1) مغناطيسية الحث (Induced Magnetism): وتتكون في الصخور لوجودها في مجال مغناطيسي وتفقدها بعد إزاحتها من المجال وخلال فترات متفاوتة.
(2) المغناطيسية المتبقية (Remnant Magnetism): وهي جزء المغناطيسية التي تحتفظ به الصخور بعد إبعادها من المجال المغناطيسي، ويحمل هذا الجزء من قبل المعادن الحديدية مثل معادن الماكنيتايت والهيمتايت والماكهمايت والفوستايت.
النسبة بين المغناطيسية المتبقية الطبيعية (NRM) المحفوظة في الصخور إلى مغناطيسية الحث في المجال المغناطيسي الحالي(F) في أي نموذج صخري، تدعى بنسبة كونكزبيرغ (Kongsberg Ratio) ويرمز لها بالحرف(Q).
فيما يلي عرض مختصر لطبيعة المغناطيسية المتبقية في كل من أنواع الصخور الرئيسة الثلاث، الرسوبية والنارية والمتحولة.
(1) مغناطيسية الصخور الرسوبية: فيما يتعلق بالصخور الرسوبية والترسبات البحرية منها بصفة خاصة فان الحبيبات المعدنية والأصداف البحرية وهياكل الكائنات الحية فيها تستقر ببطء في القيعان البحرية. وتمتاز اغلب الحبيبات المعدنية، خصوصاً المتعرية من الصخور النارية، بكونها معادن مغناطيسية يتصرف كل منها وكأنه مغناطيس صغير. وعندما توجد هذه الحبيبات بصورة عالقة قبل عملية الترسيب فأنها تكون حرة الحركة في الماء وتتأثر اتجاهاتها بالتيارات البحرية أكثر من تأثرها بالمجال المغناطيسي الأرضي. ويحدث نفس الشيء عندما ترسو هذه الحبيبات على سطح القاع. وبالنظر لكون ترسبات السطح لا تزال غير متماسكة فان الحبيبات تكون لديها القدرة على تحريك نفسها باتجاه المجال المغناطيسي للأرض وبذلك تحتفظ باتجاه المجال الأرضي بذلك الوقت. وعندما تترسب مواد جديدة فوقها تبدأ الترسبات الأولى تتماسك محتفظة باتجاه المجال المغناطيسي فيها.
(2) مغناطيسية الصخور النارية: بالنسبة للصخور النارية فان درجة حرارتها العالية التي تفوق درجة حرارة كوري (Curie Point) تجعل حركة الذرات فيها مبعثرة مما يؤدي إلى انعدام المغناطيسية فيها. أما عند التبريد فان حركة الذرات تقل بسبب قلة الطاقة الحرارية وعندئذ يظهر تأثير المجال المغناطيسي الأرضي على الذرات حيث تبدأ بترتيب نفسها بصورة موازية للمجال المغناطيسي الأرضي. وعندما تنخفض درجة الحرارة أكثر يصبح من الصعب على الذرات أن تتحرك بصورة مخالفة لاتجاه المجال الأرضي. وبذلك تخزن أو تحفظ اتجاه المجال المغناطيسي في ذلك الوقت.
[ملاحظة: درجة حرارة كوري: هي الدرجة الحرارية التي تفقد عندها المعادن مغناطيسيتها. ولما كانت أغلب أنواع الصخور تتكون من مجموعة من المعادن المختلفة فلا تمثل حرارة كوري في الصخور درجة حرارة محددة بل تمثل مدا حرارياً معيناً. وتعتمد درجة كوري على التركيب الكيميائي الأصلي للصخور وعلى عمليات الأكسدة والاختزال التي تتعرض لها، حيث تؤثر عمليات الأكسدة عادة في زيادة هذه الدرجة وعمليات الاختزال في إنقاصها].
(3) مغناطيسية الصخور المتحولة: تعد حالة وسطية بين مغناطيسية الصخور الرسوبية ومغناطيسية الصخور النارية.
الشدة المغناطيسية في الصخور الرسوبية والنارية: تحمل أغلب أنواع الترسبات كميات قليلة جداً من الحبيبات المعدنية، إضافة إلى أن تركيب الحبيبات يكون في الغالب مبعثراً بحيث يقلل المحصلة النهائية للمغناطيسية في هذه الترسبات، لذا فان شدة المغناطيسية في الصخور الرسوبية تكون في الغالب (1/100) عنها في الصخور النارية. إضافة إلى أن المغناطيسية تكون اقل استقراراً وثباتاً في الرسوبيات منها في الصخور النارية نتيجة لكون الرسوبيات قبل تصلبها وتحولها إلى صخور تحتاج إلى فترة طويلة، مما يعطي الفرصة الأكبر للعوامل الفيزيائية والكيميائية للتأثير عليها وتغير مغناطيسيتها.
التجوال الظاهري للقطب (Apparent Polar Wandering):
من الممكن تحديد مكان أي صخرة نسبة إلى القطب المغناطيسي من خلال دراسة المغناطيسية المتبقية في تلك الصخرة. فعلى سبيل المثال لو أن صخرة عمرها (500) مليون سنة تظهر ميلاً مغناطيسياً متبقياً مقداره صفراً، فهذا يعني أن الصخرة ـ وبغض النظر عن موقعها الجغرافي الحالي ـ كانت في الفترة ما قبل (500) مليون سنة موجودة قرب دائرة عرض صفر أي قرب خط الاستواء، إذ أنه يمكن الاستدلال من خلال قيمة الميل المحفوظ في الصخور والذي ينحصر، كما ذكرن سابقاً، بين (0º) عند خط الاستواء و(90º) عند الأقطاب، على موقع الصخرة بالنسبة لدوائر العرض الجغرافية في الفترة التي تولدت فيها مغناطيسيتها. ومن ملاحظة ما سبق، يتضح لنا أن كل ما تدلنا عليه المغناطيسية المتبقية هو موقع الصخرة نسبة لخطوط العرض، أما موقعها نسبة لخطوط الطول فلا يمكن تحديده.
وهذه الطريقة المستخدمة في تحديد مواقع الصخور القديمة نسبة للقطب المغناطيسي تعتمد على افتراضين رئيسين هما: الأول هو افتراض أن الصخرة لم تتعرض إلى ما يمكن أن يغير من قيمة واتجاه المغناطيسية المتولدة في وقت تكونها نتيجة لعمليات تكتونية أو حرارية. والثاني هو افتراض أن المجال المغناطيسي القديم كان بنفس الحالة التي هو عليها الآن ونعني تقارب القطبين المغناطيسي والجغرافي مع بعضهما.
باستخدام هذه الطريقة أصبح بالإمكان تحديد مواقع الصخور القديمة وبالتالي تحديد مواقع القارات واتجاهات حركتها، وبذلك فقد أضافت دراسة المغناطيسية القديمة أو المتبقية في الصخور أدلة جديدة ودامغة على أن المواقع الجغرافية ومن ضمنها القارات لم تكن ثابتة خلال الفترات الجيولوجية المختلفة من عمر الأرض (الشكل 4).
منحني التجوال القطبي يعكس حقيقة تجوال القارات
الشكل (4): منحني التجوال القطبي يعكس حقيقة تجوال القارات. (A) عند تبلور الصخور فان معادنها المغناطيسية تصطف باتجاه الحقل المغناطيسي المعاصر لها. ولكن زحزحة القارات تغير موقع القارات نسبة للقطب المغناطيسي. (B) على افتراض أن القارات ثابتة فان الانحراف نسبة للقطب المغناطيسي يعطي التجوال القطبي (Montgomery,1997).
من الجدير بالذكر أن هذه الطريقة سميت بطريقة التجوال الظاهري للقطب وذلك لان العينة الصخرية المدروسة والواقعة عند خط الاستواء في الوقت الحاضر مثلاً قد تعطي ميلاً مغناطيسياً مقداره (90º)، ويفهم من هذا الرقم أن القطب المغناطيسي في زمن تصلب الصخرة كان واقعاً عند خط الاستواء، ولكن الحقيقة هي أن موقع القطب ثابت ولكن الصخرة هي التي كانت واقعة على القطب في زمن تصلبها وتحركت بعد ذلك إلى خط الاستواء.
والدليل على صحة هذه الفكرة هو انه لو كان منحني تجوال القطب يعود إلى تغير موقع القطب المغناطيسي نفسه نتيجة لتغيرات المجال المغناطيسي الأرضي فقط وليس لتغير المواقع الجغرافية للقارات، فمن المتوقع أن تتطابق جميع خطوط منحنيات تجوال القطب في جميع مناطق الكرة الأرضية لكي تعطي منحنياً واحداً، ولكن الملاحظ هو وجود اختلاف في المنحنيات باختلاف المواقع الجغرافية (الشكل 5).
في (الشكل 5) يتبين لنا طبيعة التجوال الظاهري للقطب والمأخوذ من عدد من العينات الصخرية. الشكل (A) يظهر الخصائص المغناطيسية للصخور في أمريكا الشمالية والتي يتبين منها أن القطب المغناطيسي الشمالي انتقل ظاهرياً في مسار متعرج خلال بضعة ملايين من السنين، بينما دلائل من قارات أخرى تبين نفس الانتقال ولكن بمسار مختلف تماماً. كيف يمكن لقارات مختلفة أن تعطي مسارات مختلفة للانتقال القطبي؟ إن دلائل المغناطيسية القديمة تدل ضمناً على أنه، إذا افترضنا أن القارات بقيت ثابتة فان كل قارة سوف يكون لها قطب مغناطيسي خاص بها، وهذا غير ممكن. من الشكل (B) يتبين جواب السؤال السابق والذي يتلخص بكون القطب المغناطيسي ثابتاً والقارات هي التي تتحرك. على سبيل المثال، إذا كانت كل من أوربا وأمريكا الشمالية متصلة مع بعضها فان حقل المغناطيسية القديمة المحفوظ في صخورها سوف يشير إلى موقع قطب مغناطيسي واحد حتى بعد انفصالها عن بعضها. تتابع الصخور في كل من القارتين سوف يشير إلى أن القطب اتخذ مسار مختلف في انتقاله إلى موقعه الحالي.
التغير الظاهري في مواقع الأقطاب المغناطيسية في الماضي الجيولوجي مستنبط من دراسات المغناطيسية القديمة للصخور
الشكل (5): التغير الظاهري في مواقع الأقطاب المغناطيسية في الماضي الجيولوجي مستنبط من دراسات المغناطيسية القديمة للصخور.
(A) مسارات التجوال القطبي على افتراض أن القارات ثابتة. (B) مسارات التجوال
الانقلابات المغناطيسية (Magnetic Reversals):
ذكرنا سابقاً، أن حركة المواد المائعة في منطقة اللب الخارجي للأرض هي السبب الرئيسي لتوليد المجال المغناطيسي الأرضي. لذلك فان عدم انتظام حركة المواد السائلة فيها يولد اختلافاً في قيمة واتجاه المجال المغناطيسي ويكون أحياناً من القوة بحيث يؤدي إلى عكس المجال المغناطيسي وجعل قطبه الشمالي يحل محل قطبه الجنوبي وبالعكس. وليس هناك حتى الآن تفسير واضح لسبب تغير المواد المائعة في منطقة اللب الخارجي لاتجاه حركتها والتي تؤدي بالتالي لتغير القطبية المغناطيسية. وتستغرق عملية تغير القطبية حوالي (2000) سنة، حيث تنخفض قيمة الميل المغناطيسي إلى الصفر ثم ترتفع ثانية في الاتجاه الآخر حتى تصل إلى نفس قيمتها السابقة في الاتجاه الجديد (الشكل 6).
انقلاب خطوط القوى المغناطيسية للمجال الأرضي الموثقة بواسطة دراسات المغناطيسية القديمة لعدد من النماذج الصخرية في العالم
الشكل (6): انقلاب خطوط القوى المغناطيسية للمجال الأرضي الموثقة بواسطة دراسات المغناطيسية القديمة لعدد من النماذج الصخرية في العالم. (A) خطوط القوى المغناطيسية ذات القطبية الاعتيادية (Normal Polarity). (B)خطوط القوى المغناطيسية ذات القطبية المعكوسة (Reverse Polarity) (Hamblin and Christiansen,1998).
في عام (1960) اكتشف كل من رونالد ماسون (Ronald Masson) وآرثر راف (Arthur Raff) وفيكتور فاكواير (Vector Vacquier) من معهد سكربس لعلم المحيطات أن قاع المحيط في الساحل الغربي من أمريكا الشمالية يظهر أحزمة أو مناطق ذات خواص مغناطيسية. واظهر مخطط المغناطيسية الذي تم اكتشافه وجود أجسام مغناطيسية ممتدة بالاتجاه شمال ـ جنوب وأخرى باتجاه جنوب ـ شمال بصورة متعاقبة وغير مرتبطة بأي مظهر تركيبي يمكن أن يعطي تفسيراً لمثل هذا المخطط (الشكل 7).
أشرطة الانقلابات المغناطيسية على جانبي الحواجز الوسط محيطية
الشكل (7): أشرطة الانقلابات المغناطيسية على جانبي الحواجز الوسط محيطية (من موقع USGS على الانترنيت).
وبقي تفسير شكل هذا المخطط غامضاً حتى عام (1963)، إذ استطاع كل من فاين (Vine) وماثيوس (Mattews) من جامعة كامبرج إيجاد تفسير مقنع لها عند دراستهما للحاجز المحيطي الأطلسي وذلك بان افترضا أن نمطية السلوك المغناطيسي هذه يمكن إرجاعها إلى الانقلاب الحاصل في اتجاه المجال المغناطيسي الأرضي الذي حدث عدة مرات في الماضي.
وأوضح العالمان أن الصخور النارية المنصهرة (صخور بازلتية) قد اندفعت على طول محور سلسلة المرتفع المحيطي الوسطي وعندما بردت اتخذت اتجاه الشمال المغناطيسي في ذلك الوقت ولنفترض أنه كان يمثل الاتجاه الاعتيادي. وعندما تندفع مواد منصهرة جديدة في وقت آخر تدفع المواد الأولى بعيداً عن محور المرتفع وحين تبرد المواد الجديدة المندفعة فأنها تأخذ اتجاه المجال المغناطيسي الأرضي في ذلك الوقت، فإذا كان اتجاه المجال في ذلك الوقت عكس ما هو عليه في الحالة الأولى فان الصخور تحتفظ باتجاه المجال الجديد وهكذا يتكون في كل فترة منطقة أو حزام من مواد منصهرة ذات مغناطيسية تمثل اتجاه المجال المغناطيسي في وقت تكونها.
وبذلك تتكون أحزمة أو انطقة من الصخور ذات مساحات تتناسب مع كمية المواد المنصهرة المندفعة نحو الأعلى وذات مغناطيسية تعبر قطبيتها عن اتجاهين إحداهما اعتيادي والآخر مقلوب اعتماداً على قطبية المجال المغناطيسي الأرضي وقت تصلب المواد المندفعة. وبإمكان أي جهاز لقياس المغناطيسية يستخدم على سطح المحيط أن يظهر المخطط المغناطيسي على شكل أشرطة أو أحزمة من الشواذ المغناطيسية الموجبة والسالبة موزعة بصورة متماثلة على جانبي محور المرتفعات المحيطية الوسيطة.
تاريخ الانقلابات المغناطيسية:
من خلال دراسة النماذج الصخرية في القيعان البحرية تم اكتشاف (171) حالة انقلاب في القطبية المغناطيسية خلال الـ (76) مليون سنة الماضية، منها (9) انقلابات حدثت خلال الأربعة ملايين سنة الماضية. وكانت أطول فترة متواصلة للقطبية الاعتيادية قد تجاوزت (3) مليون سنة، في حين سجلت اقصر فترة بـ (50) ألف سنة. أما بالنسبة للفترة الحالية التي تمثل القطبية الاعتيادية فهي مستمرة منذ ما يزيد عن (700) ألف سنة. ومن المعروف أن قيمة المجال المغناطيسي تنخفض بصورة منتظمة بمعدل (6%) منذ عام (1835)، وإذا ما استمر الانخفاض بهذا المعدل فان قيمة المجال المغناطيسي ستصل إلى الصفر خلال الألفي سنة القادمة.